قبل سنوات تلقيت بريداً إلكترونياً من إحدى الجهات الأجنبية تدعوني فيه للتصويت على ترشيحات جائزة أفضل مؤسسة مالية إسلامية.. ومن ثم حضور حفل التكريم في فندق غاية في الفخامة في إحدى المدن العربية.
شد انتباهي الحدث.. فقررت شد الرحال وحضور حفل التكريم.. صالة فخمة جداً.. وجوه من بني جلدتي مألوفة لدي.. ينتظرون إعلان النتائج.. عرض مشوق.. طبول تقرع وستائر سوداء مسدلة على خشبة المسرح.. وفجأة يظهر من ورائها عريف الحفل مع مؤثرات ضوئية تخطف الألباب.. بكل فخر يعرفنا على الرئيس التنفيذي لمؤسسة (X) الأجنبية العاملة في دولة (Y) الواقعة في ما وراء البحار.. تجشم المسكين عناء السفر هو وفريق عمله الذين طوقوا قاعة الاحتفال بملابس رسمية سوداء و"بوبيونات" حمراء ليعلنوا لنا عن المؤسسات المالية الإسلامية المتميزة بالإضافة إلى الشخصية المصرفية الإسلامية الأولى لهذا العام.
أعلن الأجنبي عن الجوائز.. جائزة أفضل بنك إسلامي.. جائزة أفضل بيت تمويل... جائزة أفضل مؤسسة استثمارية.. جائزة أفضل بنك استثماري... جائزة أفضل بنك في تطوير المنتجات.. وصيحات الجمهور تتعالى مع كل إعلان مع حركات لا إرادية تظهر نشوة المنتصر.
جلست إلى جانبي على طاولة العشاء إحدى الموظفات الأجنبيات العاملات في المؤسسة (X).. همست لي نفسي: حان وقت الصيد!!.. سألتها عن المعايير المتبعة في اختيار تلك المؤسسات المالية الإسلامية المتميزة.. تهربت.. ثم سألتها .. فتهربت .. ثم أصررت عليها أن تجيب فقالت نحن نعتمد على الترشيحات والتصويت.. أي تصويت؟؟ قالت التصويت من خلال البريد الإلكتروني أو من خلال الإنترنت على تلك المؤسسات... واستأذنت لمغادرة هذه الطاولة التي يجلس عليها شخص مشاكس يطرح أسئلة غبية في وقت ساد فيه الذكاء.
عادت تلك الموظفة بعد نصف ساعة لتجلس على الطاولة مرة خرى على أمل أن الضيف المشاكس قد استوعب الرسالة.. قلت لها: يا سيدتي أنا تعمقت جداً في البحث في التقارير السنوية للمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم.. وتعمقت أكثر في تحليل أدائها واحدة واحدة.. لكن ظل هناك سؤال يحيرني.. قالت وما هو: قلت لها: ما هو الفرق بين البنك الإسلامي وبيت التمويل الإسلامي؟ (بالمناسبة لدينا في الصناعة المالية الإسلامية عدد لا بأس به من المؤسسات تحت مسمى بيت تمويل) وما هو الفرق بين بيت التمويل وبنك الاستثمار؟ وما هو الفرق بين بنك الاستثمار ومؤسسة الاستثمار؟؟. عقدت حاجبيها وقالت سأحضر لك رئيسنا التنفيذي ليجيبك على أسئلتك.. فانتهى العشاء وانتهى الحفل ولم يأت ذاك الرجل ليجيبني ويجيب المئات من أمثلاي عن اسئلة كثيرة حول تكاليف هذا الحفل.. من يغطيها؟؟ هل هي المؤسسة الأجنبية التي تخطب ود الشعوب الإسلامية والعربية من خلال دفع تلك التكاليف؟ أم أن أصحاب الفندق تبرعوا بها كدعم لنمو الصناعة المالية الإسلامية؟ وهل ستشارك المؤسسات المالية الإسلامية في مثل هذه المسابقات لو أن جهة عربية (عوروموني، أو عربانكر على سبيل المثال) أشرفت على تلك الجوائز؟
لم ينتهي الأمر بي عند ذلك.. فذهبت إلى حاسوبي الشخصي أسأله عن البنك الإسلامي الأفضل أداءاً على مستوى العالم في ذلك العام.. فقال لي: يشير التحليل أنه بنك متوسط الحجم موجود في القارة السوداء! (بنك إفريقي) ولحسن حظ ذلك البنك أنه لم يكن من ضمن "المكرمين" في ذلك العام، ربما لأن مخصصات العلاقات العامة لديهم لا تلبي طموح الشركة (X).
مؤسساتنا المالية الإسلامية أنتم أجل وأرفع من تلك الجوائز التي تفتقد إلى المعيارية والمصداقية.. وأفضل جائزة تكسبونها هي رضى عملائكم بعد رضى الله عنكم من خلال الإلتزام بالمسؤولية الشاملة نجو المجتمعات والبيئات والإقتصاديات التي تتواجدون فيها، وهو أمر لا محالة سيبني لكم علامات تجارية مستدامة وراسخة في عقول الجميع.